Monday, March 25, 2013

الجمعة 21 بتاريخ22-3-2013 خطبة جمعة عن الصلاة

الجمعة 21                        22-3-2013
الحمد لله خالق الخلق...خلقهم بحكمته ليعرفوه...و جعل معرفتهم له جائزة : لمن جاهد نفسه فزكاها...وقدم نفسه قربانا لله طالبا قربه و معرفته...فإن تقبل الله قربانه...هداه وإجتباه...فعرفه بنفسه... وزاده يوم القيامة : رؤية وجهه الكريم ... نشهد أنه لا إله إلا هو وحده... ونشهد أن سيدنا محمدا عبده و رسوله... أول العابدين... و الدليل إلي رب العالمين... أتم الله به البشارة و النذارة... أفضل ولد آدم ولا فخر... جعله الله نموذجا يحتذي ... فمن سار علي قدمه و نهجه وسنته... عرف نفسه ... فعرف ربه...
    أما بعد... فلازلنا نتحدث عن آدم و عيوبه التي ورثناها جميعا ... وكما قلنا... فإن عيوب بني آدم الأصلية (5) : النسيان ، وضعف العزيمة ، وحب الخلود ، وحب الملك ، وحب العلو ... وقد جعل الله عز وعلا علاج هذه العيوب : في شرائعه التي أنزلها لبني آدم في الأرض مع أنبيائه ... ونحن بصدد الشريعة الإسلامية التي أكرمنا الله بها... والتي نعلم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم... أنها بنيت علي خمس أسس أصلية... قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:... بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ... شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ... وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ...وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ...وَالْحَجِّ... وَصَوْمِ رَمَضَانَ... وقد تكلمنا بما يكفي في تأثير المداومة علي ذكر الشهادتين ... إللي هما :"أشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"... وكذلك نفلهما... و هو عموم كلمات الذكر...مثل سبحان الله....و الحمد لله... الله أكبر... ولا حول ولا قوة إلا بالله...  والصلاة والسلام علي سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم... و طبعا ...أعلي الذكر ترتيل كتاب الله عز وجل...
ووضحنا كيف يعالج الذكر بعموم أنواعه عيوب بني آدم الخمسة عموما... و النسيان والغفلة خصوصا.... و نكمل بإذن الله... مع باقي أركان الإسلام الخمسة... و نتبع ترتيب الحديث النبوي في ذكر الأركان.... فنتكلم بعون الله وتوفيقه عن الصلاة...
·  معني كلمة الصلاة في الدين....من جانب الإنسان و الملائكة هو... الدعاء.... الإستغفار...و هي الهيئة و الأفعال التي علمها لنا رسول الله و التي تجب علي المسلم البالغ العاقل من يوم بلوغه إلي وفاته... و هي الركن الثاني من الإسلام ... و الذي فـُرض علي المسلمين في رحلة الإسراء و المعراج ..... وأما الصلاة من الله : فهي الرحمة     (كما في صلاة الله علي رسوله صلي الله عليه وسلم)... و في اللغة : هي (الصلة) ، أو الإتصال ، أو ما يصل شيئين ببعض...
·  لندرك مدي أهمية الصلاة...يجب أن ننتبه إلي حقيقة هامة جدا... و هي أن الصلاة هي الركن الوحيد في الإسلام... الذي لايعطل أو يوقف وجوبه أبدا... و في نفس الوقت مستمر... من يوم التكليف به إلي يوم الموت... ولا يقوم به أحد عن أحد مهما كانت الظروف... (شرح عامي)
·  و في الحديث : جاء رجل ، فقال : يا رسول الله أي شيء أحب عند الله في الإسلام ؟ قال : « الصلاة لوقتها ، ومن ترك الصلاة فلا دين له ، والصلاة عماد الدين » يعني بإختصار شديد جدا... مفيش حاجة إسمها مسلم... مبيصليش... زي ما الحديث بيقول : "من ترك الصلاة فلا دين له"... وخلي بالك هنا من شيئ مهم ...المقصود هنا من ترك الصلاة... إنكارها (يعني مثلا يقول دي مش مهمة... ولا الصلاة دي كانت زمان والناس فاضية... ولا دي مش فرض)... بنقول الكلام ده عشان منكفـّرش الناس أو نخرجهم من الدين .. وطبعا مع العلم بأن تارك الصلاة يرتكب ذنب عظيم جدا ...
    وفي الحديث أيضا...  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ينظر في صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر » (شرح سريع) و قيل : " الصلاة معراج المؤمن" ..
·  نلخص اللي قلناه عشان ما نتـُهش في تفاصيل... الصلاة هي أهم و أدوم فرض في الإسلام...ولأهميتها ... فرضت من الله مباشرة بدون وساطة أمين الوحي سيدنا جبريل من فوق سبع سماوات وبعد سدرة المنتهي التي ينتهي عندها علم الخلائق أجمعين ... فلا يدرك علم ما فيها من خير و أسرار و أثار علي العبد إلا الله و رسوله ... كانت في الأصل خمسين... وخففت لضعفنا لخمسة... و لكنها تثمر فينا مقام الخمسين...من أتمها كانت له معراج لله... لا يعطلها مرض ولا ضعف و لا حرب ولا خوف...ولا سفر ولا حضر... ولا يؤديها فرد عن آخر ولو كانت أمه ولا أبيه ولا صاحبته و لا بنيه... فيها صلاح عمل الإنسان كله في الدنيا و الآخرة و لو فسدت فسد عمل الإنسان في الدنيا والآخرة ... هي دعاء الإنسان ربه...و إستغفاره له و ندمه و توبته...هي الصلة الدائمه بين العبد و ربه ... خمس مرات كل يوم ...فرضا... يضاف اليهم ما يستطيع العبد في اليوم و الليلة...خير الأعمال و أحبها إلي الله... لا تجوز بدون الوضوء بالماء ... الذي هو أصل الحياة... فإن فقد الماء... جازت بعد التيمم بالتراب... الذي إذا أنزل الله عليه الماء إهتز و ربت الأرض... و أنبتت الحياه...
    فإذا كنا من تراب ... و توضأنا بالماء أو تيممنا بالتراب... وقمنا للصلاة خاشعين لله... دبت فينا الحياة الحقيقية... حياة الصلة بالله الحي الذي لا يموت... ليرفعنا بها حيث يشاء في الدنيا و الآخرة... فإذا كانت الصلاة بهذا ...هي الحياة الحقيقية للقلوب والأبدان...
والماء هو أصل الحياة... قد نفهم لماذا قيل أن تارك الصلاة يموت عطشان ، أعاذنا الله وإياكم من ترك الصلاة و عقوبته في الدنيا و الآخرة ..
·  ما قلناه هو تعريف بسيط جدا للصلاة... دون الدخول في تفاصيل فقهية كلنا نعلمها... ولسنا بصدد الحديث عنها الآن... و عشان نكمل تلك المقدمة عن الصلاة...نذكر قصة مشهورة عن أحد الصالحين إسمه حاتم الأصم...
·  ذكر ابن الجوزي : أن يوسف بن عاصم (يوسف إبن عاصم ده من كبار العلماء في وقته) ذُكر له عن حاتم الأصمّ أنّه كان يتكلّم على النّاس في الزّهد، والإخلاص (شرح)، فقال يوسف لأصحابه: اذهبوا بنا إليه نسأله عن صلاته (خلي بالك هنا ... إنه رايح يسأله عن الصلاة... و دي أول حاجة يهتم بيها) إن كان يُكملها ( لأنه لو لم يكن يحسنها فلا فائدة فيه)، وإن لم يكن يُكملها، نهيناه عن ذلك (يعني لو كانت صلاته غير كاملة هينهاه عن تعليم الناس ... واخد بالك إيه أهمية الصلاة عند الناس اللي بتفهم) , قال: فأتوه (يعني راحوا له)، وقال له يوسف: يا حاتم، جئنا نسألك عن صلاتك، فقال له حاتم: عن أيّ شيء تسألني عافاك الله ؟ (بتسألني عن إيه فيها؟) عن معرفتها، أو عن آدابها ؟.. فالتفت يوسف إلى أصحابه، وقال لهم: سألناه سؤالا ، فجعله سؤالين (يعني..حاتم زود السؤال ... بدل ما كان سؤال واحد بقوا سؤالين) .. ثمّ قال لحاتم: فما آدابها يا شاب ؟... فقال حاتم : (1) أن تقوم بالأمر (يعني أول ما تسمع الآذان...مش بعد ما أخلص اللي في إيدي) .. (2) وتمشي بالاحتساب (محتسبا أجرك عند الله... بما في ذلك ما تركته من الإنشغال بالدنيا متوجها به لوجه الله سبحانه و تعالي) .. (3) وتدخُلُ بالسنّة (متبعا سنة رسول الله ... و خلي بالك إن كيفية الصلاة إحنا منعرفهاش إلا من السنة ولا يوجد أي مصدر آخر لتوضيح كيفية القيام بها غير السنة... عكس أركان كالصيام أو الحج مذكور في القرآن كيفية القيام بهم) ، (4) وتكبّر بالتّعظيم (تعظيم الله من ضمن معانيه هنا تخيل و إستحضار عظمة الله و كماله و قدرته و كل كمالات صفاته من جلال و جمال... و لو ربنا وفقك وعرفت تعمل كده... قلبك هيخشع ... و تسكن جوارحك... وتشعر بما تحتاجه أنت من عجز و ضعف و فقر إلي الله عز وجل... فإن إعترفت بهم... و أيقنت بوضاعتك ... كنت في وضع الإضطرار و التلقي ... فيفيض عليك بالعطاء بما إعترفت أنت بفقرك إليه...) .. (5) وتقرأ بالتّرتيل (تنفيذا لأمر الله في قرآنه العزيز) .. (6) وتركع بالخشوع .. (7) وتسجُد بالخضوع (إعترافا منك بأنه الرب العزيز و أنت العبد الذليل الوضيع المقصر... الخائف من مولاه... وراجي عفوه) .. (8) وترفع بالسّكينة ( من خشع قلبه... سكنت جوارحه... و إطمئن بربه... معتمدا عليه... راجيا عفوه و رحمته لا مغرورا بإمهاله له) .. (9) وتتشهّد بالإخلاص (الإخلاص هو سر بين العبد وربه...يضعه الله في قلب عبده المؤمن... فلا يطلع عليه ملك فيكتبه... ولا شيطان فيفسده... يعني علاقة خاصة جدا بين العبد و ربه... فاهم يعني إيه؟... إنت و ربك لوحدكوا... مناجاة... علاقة شخصية) .. (10) وتسلّم بالرّحمة (فإن أديت الصلاة بهذه الكيفية كنت علي قدم سيدنا رسول الله الذي أرسل رحمة للعالمين....فإذا أتممتها... تكون قد ملئت بالرحمة ... و أخذت شيئا بسيطا من الرحمة...تسير بيها في الناس لحد ميعاد الصلاة القادمة) .. 
    فقال يوسف : هذه آدابها، فما معرفتها ؟.. قال حاتم : أن تجعل الله من أمامك (يعني تخيل أنك واقف أمام الله ذاته...و هي الحقيقة لأنك ذاهب إلي ربك فملاقيه مهما طال عمرك ولا مفر من ذلك) .. وملك الموت من خلفك (طبعا... فالموت سيأتيك سيأتيك ... ليقودك إلي ربك و سيدك... شئت أم أبيت... فأنظر أتحب أن تلاقيه كعبد آبق قبض عليه ليساق إلي مولاه صاغرا...أم كعبد طائع يرجو جائزة من سيده) .. وأن تجعل الكعبة نُصب عينيك (لا تنشغل بشيئ عن صلاتك... وإجمع شتات نفسك علي ربك... و إعلم أن كل أعمالك محلها إلي البيت العتيق ... تدخرها هناك إلي يوم تطاطاير الصحف فتجد ما عملت من خير أو شر محضر) .. والصراط تحت قدميك.. والجنة عن يمينك.. والنار عن يسارك (تخيل هذه الأشياء هيساعدك علي ألا يلهيك الأمل في البقاء في الدنيا ...إنك تتخيل الموقف يوم القيامة... و تخيل نفسك تسير علي الصراط الذي هو أحد من السيف و أرفع من الشعرة...وان الجنة عن يمينك و النار عن يسارك...)، فإذا فعلت (إذا أتممت كل ماسبق من أمور الصلاة) .. وأن تجعلها آخر صلاتك (لا تجعل الأمل في طول البقاء في الدنيا و الخلود فيها يلهيك... فأنت لا تعلم متي ينتهي أجلك ... و أجعل عملك كأنه آخر عمل لك في الدنيا... حاول أن تجعله العمل الذي يرضي الله عنك إن قابلته بعده فورا إذا قبضت الآن) .. فالتفت يوسف إلى أصحابه، وقال : هيّا بنا نقضي صلاة أربعين عامًا .. قوموا نُعيد الصّلاة التي مضت من أعمارنا  (يعني العالم العظيم و الشيخ الجليل يوسف إبن عاصم... لما سمع كلام حاتم الأصم... شك في صحة صلاته هوه نفسه... و شايف إنها محتاجه تتعاد....).... ياتري تفتكروا إحنا صلاتنا أخبارها إيه؟؟؟.... بيتهيألي كده... كل واحد محتاج يقعد مع نفسه و يعيد التفكير في حاجات كتير أوي...و أهم حاجة فيهم ...مسألة الصلاة....
( قال ربكم إدعوني أستجب لكم )
الحمد لله الذي خلق لنا من أنفسنا ازواجا لنسكن إليها...نشهد أن لا إله إلا هو وحده... صدق وعده وأعز عباده الذين إصطفي الذين هم من جنده ...و هزم حزب الشيطان وحده ... لا نعبد إلا إياه... مخلصين له الدين بفضله و لو كره الكافرون...و نشهد أن سيدنا و نبينا ومولانا محمد عبده و رسوله... ترك لنا ما إن تمسكنا به لم نضل بعده أبدا ...كتاب الله و عترته آل بيته...و لو كره المبطلون.... أما بعد...
    كل ما قلناه ...هو مجرد مقدمة بسيطة... لموضوع الصلاة ...وعلاقتها بإصلاح عيوب بني آدم الأصلية التي نتحدث عنها...و سنكمل الموضوع في جمعات قادمة بإذن الله...ولكن يجدر بنا قبل أن ننتقل لذلك أن ننبه علي موضوع في غاية الأهمية... القصة التي ذكرناها منذ قليل عن العالم الجليل يوسف إبن عاصم و العارف بالله حاتم الأصم...و التي إنتهت بأن يوسف إبن عاصم شك في صحة صلاته... لو أخدنا بالنا لوجدنا أن معظم ما ذكر فيها من صفات و أحوال للصلاة ... إنما هي أحوال قلبية و ليست أفعال بالجوارح...و لا إطالة صلاة... ولا هيئة ظاهرة... إنما كل ما فيها مبني علي أفعال للقلب... من إستحضار لنية... تعظيم لله....حضور مع الله...رحمة ... سكينة...خشوع... تخيل للآخرة... تخيل الجنة و النار و الصراط... إلي آخر ما ذكرنا في الخطبة الأولي.... ياترى ممكن نفهم إيه من الموضوع ده؟؟؟
1- إتقان الصلاة بهذه الطريقة لا يستلزم وقت إضافي... فإنت مكسل و لا مستعجل و لا مش فاضي تحاول تحسن أدائك للصلاة
2- من هنا ممكن نفهم ليه كتير من العلماء قالوا عن حديث: إنما الأعمال بالنيات , وإن هذا الحديث : يُعتبر مدار الدين ..
3-  التوجه لله بالقلب... و النية الصالحة ... هما أهم شيئ في أي عمل
4- فإذا كان القلب بين إصبعين من أصابع الله يقلبه كيف يشاء ... ندرك معني إياك نعبد وإياك نستعين... و أنه لا فاعل علي وجه الحقيقة إلا الله... وأننا يجب علينا أن نسأل الله في كل شيئ مهما بدا لنا تافها .. لأننا لا نستطيع عمل أي شيئ بدون توفيقه ... وأن من إدعي لنفسه أي فعل أو حول أو قوة فإنه إما كاذب أو جاهل... و هذا الإدعاء من الكبر ... وتشبه بإبليس اللعين...
5- أهم شيئ... هو تكوين العلاقة الشخصية بين كل واحد فينا و بين الله... هذه العلاقة تكون بالقلب... الذي قال الله عنه ... أنه يسع الله الذي لم تسعه أرضه ولا سمائه...
6-  وهذا القلب هو محل نظر الله... لأنه محل النية و التوجه وفيه تتلخص نتيجة الأعمال من أنوار للصالحات و نكت سوداء للذنوب
نسأل الله أن يشرح صدورنا و ينير قلوبنا و يزكي نفوسنا و يرزقنا معرفته