Monday, March 25, 2013

الجمعة 21 بتاريخ22-3-2013 خطبة جمعة عن الصلاة

الجمعة 21                        22-3-2013
الحمد لله خالق الخلق...خلقهم بحكمته ليعرفوه...و جعل معرفتهم له جائزة : لمن جاهد نفسه فزكاها...وقدم نفسه قربانا لله طالبا قربه و معرفته...فإن تقبل الله قربانه...هداه وإجتباه...فعرفه بنفسه... وزاده يوم القيامة : رؤية وجهه الكريم ... نشهد أنه لا إله إلا هو وحده... ونشهد أن سيدنا محمدا عبده و رسوله... أول العابدين... و الدليل إلي رب العالمين... أتم الله به البشارة و النذارة... أفضل ولد آدم ولا فخر... جعله الله نموذجا يحتذي ... فمن سار علي قدمه و نهجه وسنته... عرف نفسه ... فعرف ربه...
    أما بعد... فلازلنا نتحدث عن آدم و عيوبه التي ورثناها جميعا ... وكما قلنا... فإن عيوب بني آدم الأصلية (5) : النسيان ، وضعف العزيمة ، وحب الخلود ، وحب الملك ، وحب العلو ... وقد جعل الله عز وعلا علاج هذه العيوب : في شرائعه التي أنزلها لبني آدم في الأرض مع أنبيائه ... ونحن بصدد الشريعة الإسلامية التي أكرمنا الله بها... والتي نعلم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم... أنها بنيت علي خمس أسس أصلية... قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:... بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ... شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ... وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ...وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ...وَالْحَجِّ... وَصَوْمِ رَمَضَانَ... وقد تكلمنا بما يكفي في تأثير المداومة علي ذكر الشهادتين ... إللي هما :"أشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"... وكذلك نفلهما... و هو عموم كلمات الذكر...مثل سبحان الله....و الحمد لله... الله أكبر... ولا حول ولا قوة إلا بالله...  والصلاة والسلام علي سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم... و طبعا ...أعلي الذكر ترتيل كتاب الله عز وجل...
ووضحنا كيف يعالج الذكر بعموم أنواعه عيوب بني آدم الخمسة عموما... و النسيان والغفلة خصوصا.... و نكمل بإذن الله... مع باقي أركان الإسلام الخمسة... و نتبع ترتيب الحديث النبوي في ذكر الأركان.... فنتكلم بعون الله وتوفيقه عن الصلاة...
·  معني كلمة الصلاة في الدين....من جانب الإنسان و الملائكة هو... الدعاء.... الإستغفار...و هي الهيئة و الأفعال التي علمها لنا رسول الله و التي تجب علي المسلم البالغ العاقل من يوم بلوغه إلي وفاته... و هي الركن الثاني من الإسلام ... و الذي فـُرض علي المسلمين في رحلة الإسراء و المعراج ..... وأما الصلاة من الله : فهي الرحمة     (كما في صلاة الله علي رسوله صلي الله عليه وسلم)... و في اللغة : هي (الصلة) ، أو الإتصال ، أو ما يصل شيئين ببعض...
·  لندرك مدي أهمية الصلاة...يجب أن ننتبه إلي حقيقة هامة جدا... و هي أن الصلاة هي الركن الوحيد في الإسلام... الذي لايعطل أو يوقف وجوبه أبدا... و في نفس الوقت مستمر... من يوم التكليف به إلي يوم الموت... ولا يقوم به أحد عن أحد مهما كانت الظروف... (شرح عامي)
·  و في الحديث : جاء رجل ، فقال : يا رسول الله أي شيء أحب عند الله في الإسلام ؟ قال : « الصلاة لوقتها ، ومن ترك الصلاة فلا دين له ، والصلاة عماد الدين » يعني بإختصار شديد جدا... مفيش حاجة إسمها مسلم... مبيصليش... زي ما الحديث بيقول : "من ترك الصلاة فلا دين له"... وخلي بالك هنا من شيئ مهم ...المقصود هنا من ترك الصلاة... إنكارها (يعني مثلا يقول دي مش مهمة... ولا الصلاة دي كانت زمان والناس فاضية... ولا دي مش فرض)... بنقول الكلام ده عشان منكفـّرش الناس أو نخرجهم من الدين .. وطبعا مع العلم بأن تارك الصلاة يرتكب ذنب عظيم جدا ...
    وفي الحديث أيضا...  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ينظر في صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر » (شرح سريع) و قيل : " الصلاة معراج المؤمن" ..
·  نلخص اللي قلناه عشان ما نتـُهش في تفاصيل... الصلاة هي أهم و أدوم فرض في الإسلام...ولأهميتها ... فرضت من الله مباشرة بدون وساطة أمين الوحي سيدنا جبريل من فوق سبع سماوات وبعد سدرة المنتهي التي ينتهي عندها علم الخلائق أجمعين ... فلا يدرك علم ما فيها من خير و أسرار و أثار علي العبد إلا الله و رسوله ... كانت في الأصل خمسين... وخففت لضعفنا لخمسة... و لكنها تثمر فينا مقام الخمسين...من أتمها كانت له معراج لله... لا يعطلها مرض ولا ضعف و لا حرب ولا خوف...ولا سفر ولا حضر... ولا يؤديها فرد عن آخر ولو كانت أمه ولا أبيه ولا صاحبته و لا بنيه... فيها صلاح عمل الإنسان كله في الدنيا و الآخرة و لو فسدت فسد عمل الإنسان في الدنيا والآخرة ... هي دعاء الإنسان ربه...و إستغفاره له و ندمه و توبته...هي الصلة الدائمه بين العبد و ربه ... خمس مرات كل يوم ...فرضا... يضاف اليهم ما يستطيع العبد في اليوم و الليلة...خير الأعمال و أحبها إلي الله... لا تجوز بدون الوضوء بالماء ... الذي هو أصل الحياة... فإن فقد الماء... جازت بعد التيمم بالتراب... الذي إذا أنزل الله عليه الماء إهتز و ربت الأرض... و أنبتت الحياه...
    فإذا كنا من تراب ... و توضأنا بالماء أو تيممنا بالتراب... وقمنا للصلاة خاشعين لله... دبت فينا الحياة الحقيقية... حياة الصلة بالله الحي الذي لا يموت... ليرفعنا بها حيث يشاء في الدنيا و الآخرة... فإذا كانت الصلاة بهذا ...هي الحياة الحقيقية للقلوب والأبدان...
والماء هو أصل الحياة... قد نفهم لماذا قيل أن تارك الصلاة يموت عطشان ، أعاذنا الله وإياكم من ترك الصلاة و عقوبته في الدنيا و الآخرة ..
·  ما قلناه هو تعريف بسيط جدا للصلاة... دون الدخول في تفاصيل فقهية كلنا نعلمها... ولسنا بصدد الحديث عنها الآن... و عشان نكمل تلك المقدمة عن الصلاة...نذكر قصة مشهورة عن أحد الصالحين إسمه حاتم الأصم...
·  ذكر ابن الجوزي : أن يوسف بن عاصم (يوسف إبن عاصم ده من كبار العلماء في وقته) ذُكر له عن حاتم الأصمّ أنّه كان يتكلّم على النّاس في الزّهد، والإخلاص (شرح)، فقال يوسف لأصحابه: اذهبوا بنا إليه نسأله عن صلاته (خلي بالك هنا ... إنه رايح يسأله عن الصلاة... و دي أول حاجة يهتم بيها) إن كان يُكملها ( لأنه لو لم يكن يحسنها فلا فائدة فيه)، وإن لم يكن يُكملها، نهيناه عن ذلك (يعني لو كانت صلاته غير كاملة هينهاه عن تعليم الناس ... واخد بالك إيه أهمية الصلاة عند الناس اللي بتفهم) , قال: فأتوه (يعني راحوا له)، وقال له يوسف: يا حاتم، جئنا نسألك عن صلاتك، فقال له حاتم: عن أيّ شيء تسألني عافاك الله ؟ (بتسألني عن إيه فيها؟) عن معرفتها، أو عن آدابها ؟.. فالتفت يوسف إلى أصحابه، وقال لهم: سألناه سؤالا ، فجعله سؤالين (يعني..حاتم زود السؤال ... بدل ما كان سؤال واحد بقوا سؤالين) .. ثمّ قال لحاتم: فما آدابها يا شاب ؟... فقال حاتم : (1) أن تقوم بالأمر (يعني أول ما تسمع الآذان...مش بعد ما أخلص اللي في إيدي) .. (2) وتمشي بالاحتساب (محتسبا أجرك عند الله... بما في ذلك ما تركته من الإنشغال بالدنيا متوجها به لوجه الله سبحانه و تعالي) .. (3) وتدخُلُ بالسنّة (متبعا سنة رسول الله ... و خلي بالك إن كيفية الصلاة إحنا منعرفهاش إلا من السنة ولا يوجد أي مصدر آخر لتوضيح كيفية القيام بها غير السنة... عكس أركان كالصيام أو الحج مذكور في القرآن كيفية القيام بهم) ، (4) وتكبّر بالتّعظيم (تعظيم الله من ضمن معانيه هنا تخيل و إستحضار عظمة الله و كماله و قدرته و كل كمالات صفاته من جلال و جمال... و لو ربنا وفقك وعرفت تعمل كده... قلبك هيخشع ... و تسكن جوارحك... وتشعر بما تحتاجه أنت من عجز و ضعف و فقر إلي الله عز وجل... فإن إعترفت بهم... و أيقنت بوضاعتك ... كنت في وضع الإضطرار و التلقي ... فيفيض عليك بالعطاء بما إعترفت أنت بفقرك إليه...) .. (5) وتقرأ بالتّرتيل (تنفيذا لأمر الله في قرآنه العزيز) .. (6) وتركع بالخشوع .. (7) وتسجُد بالخضوع (إعترافا منك بأنه الرب العزيز و أنت العبد الذليل الوضيع المقصر... الخائف من مولاه... وراجي عفوه) .. (8) وترفع بالسّكينة ( من خشع قلبه... سكنت جوارحه... و إطمئن بربه... معتمدا عليه... راجيا عفوه و رحمته لا مغرورا بإمهاله له) .. (9) وتتشهّد بالإخلاص (الإخلاص هو سر بين العبد وربه...يضعه الله في قلب عبده المؤمن... فلا يطلع عليه ملك فيكتبه... ولا شيطان فيفسده... يعني علاقة خاصة جدا بين العبد و ربه... فاهم يعني إيه؟... إنت و ربك لوحدكوا... مناجاة... علاقة شخصية) .. (10) وتسلّم بالرّحمة (فإن أديت الصلاة بهذه الكيفية كنت علي قدم سيدنا رسول الله الذي أرسل رحمة للعالمين....فإذا أتممتها... تكون قد ملئت بالرحمة ... و أخذت شيئا بسيطا من الرحمة...تسير بيها في الناس لحد ميعاد الصلاة القادمة) .. 
    فقال يوسف : هذه آدابها، فما معرفتها ؟.. قال حاتم : أن تجعل الله من أمامك (يعني تخيل أنك واقف أمام الله ذاته...و هي الحقيقة لأنك ذاهب إلي ربك فملاقيه مهما طال عمرك ولا مفر من ذلك) .. وملك الموت من خلفك (طبعا... فالموت سيأتيك سيأتيك ... ليقودك إلي ربك و سيدك... شئت أم أبيت... فأنظر أتحب أن تلاقيه كعبد آبق قبض عليه ليساق إلي مولاه صاغرا...أم كعبد طائع يرجو جائزة من سيده) .. وأن تجعل الكعبة نُصب عينيك (لا تنشغل بشيئ عن صلاتك... وإجمع شتات نفسك علي ربك... و إعلم أن كل أعمالك محلها إلي البيت العتيق ... تدخرها هناك إلي يوم تطاطاير الصحف فتجد ما عملت من خير أو شر محضر) .. والصراط تحت قدميك.. والجنة عن يمينك.. والنار عن يسارك (تخيل هذه الأشياء هيساعدك علي ألا يلهيك الأمل في البقاء في الدنيا ...إنك تتخيل الموقف يوم القيامة... و تخيل نفسك تسير علي الصراط الذي هو أحد من السيف و أرفع من الشعرة...وان الجنة عن يمينك و النار عن يسارك...)، فإذا فعلت (إذا أتممت كل ماسبق من أمور الصلاة) .. وأن تجعلها آخر صلاتك (لا تجعل الأمل في طول البقاء في الدنيا و الخلود فيها يلهيك... فأنت لا تعلم متي ينتهي أجلك ... و أجعل عملك كأنه آخر عمل لك في الدنيا... حاول أن تجعله العمل الذي يرضي الله عنك إن قابلته بعده فورا إذا قبضت الآن) .. فالتفت يوسف إلى أصحابه، وقال : هيّا بنا نقضي صلاة أربعين عامًا .. قوموا نُعيد الصّلاة التي مضت من أعمارنا  (يعني العالم العظيم و الشيخ الجليل يوسف إبن عاصم... لما سمع كلام حاتم الأصم... شك في صحة صلاته هوه نفسه... و شايف إنها محتاجه تتعاد....).... ياتري تفتكروا إحنا صلاتنا أخبارها إيه؟؟؟.... بيتهيألي كده... كل واحد محتاج يقعد مع نفسه و يعيد التفكير في حاجات كتير أوي...و أهم حاجة فيهم ...مسألة الصلاة....
( قال ربكم إدعوني أستجب لكم )
الحمد لله الذي خلق لنا من أنفسنا ازواجا لنسكن إليها...نشهد أن لا إله إلا هو وحده... صدق وعده وأعز عباده الذين إصطفي الذين هم من جنده ...و هزم حزب الشيطان وحده ... لا نعبد إلا إياه... مخلصين له الدين بفضله و لو كره الكافرون...و نشهد أن سيدنا و نبينا ومولانا محمد عبده و رسوله... ترك لنا ما إن تمسكنا به لم نضل بعده أبدا ...كتاب الله و عترته آل بيته...و لو كره المبطلون.... أما بعد...
    كل ما قلناه ...هو مجرد مقدمة بسيطة... لموضوع الصلاة ...وعلاقتها بإصلاح عيوب بني آدم الأصلية التي نتحدث عنها...و سنكمل الموضوع في جمعات قادمة بإذن الله...ولكن يجدر بنا قبل أن ننتقل لذلك أن ننبه علي موضوع في غاية الأهمية... القصة التي ذكرناها منذ قليل عن العالم الجليل يوسف إبن عاصم و العارف بالله حاتم الأصم...و التي إنتهت بأن يوسف إبن عاصم شك في صحة صلاته... لو أخدنا بالنا لوجدنا أن معظم ما ذكر فيها من صفات و أحوال للصلاة ... إنما هي أحوال قلبية و ليست أفعال بالجوارح...و لا إطالة صلاة... ولا هيئة ظاهرة... إنما كل ما فيها مبني علي أفعال للقلب... من إستحضار لنية... تعظيم لله....حضور مع الله...رحمة ... سكينة...خشوع... تخيل للآخرة... تخيل الجنة و النار و الصراط... إلي آخر ما ذكرنا في الخطبة الأولي.... ياترى ممكن نفهم إيه من الموضوع ده؟؟؟
1- إتقان الصلاة بهذه الطريقة لا يستلزم وقت إضافي... فإنت مكسل و لا مستعجل و لا مش فاضي تحاول تحسن أدائك للصلاة
2- من هنا ممكن نفهم ليه كتير من العلماء قالوا عن حديث: إنما الأعمال بالنيات , وإن هذا الحديث : يُعتبر مدار الدين ..
3-  التوجه لله بالقلب... و النية الصالحة ... هما أهم شيئ في أي عمل
4- فإذا كان القلب بين إصبعين من أصابع الله يقلبه كيف يشاء ... ندرك معني إياك نعبد وإياك نستعين... و أنه لا فاعل علي وجه الحقيقة إلا الله... وأننا يجب علينا أن نسأل الله في كل شيئ مهما بدا لنا تافها .. لأننا لا نستطيع عمل أي شيئ بدون توفيقه ... وأن من إدعي لنفسه أي فعل أو حول أو قوة فإنه إما كاذب أو جاهل... و هذا الإدعاء من الكبر ... وتشبه بإبليس اللعين...
5- أهم شيئ... هو تكوين العلاقة الشخصية بين كل واحد فينا و بين الله... هذه العلاقة تكون بالقلب... الذي قال الله عنه ... أنه يسع الله الذي لم تسعه أرضه ولا سمائه...
6-  وهذا القلب هو محل نظر الله... لأنه محل النية و التوجه وفيه تتلخص نتيجة الأعمال من أنوار للصالحات و نكت سوداء للذنوب
نسأل الله أن يشرح صدورنا و ينير قلوبنا و يزكي نفوسنا و يرزقنا معرفته

Thursday, February 21, 2013

الجمعة 20- بتاريخ 22-2-2013 علاقة الإنسان بالزمن وتدخل الشيطان فيها

الجمعة 20                               التاريخ:22-2-2013
الحمد لله رب العالمين, المتفرد بالكمال في الجلال و الجمال, برأ كل شيئ من العدم بقدرته, لأنه كان ولا شيئ معه...وهو الآن علي ما عليه كان... خلق كل شيئ بقدر معلوم... فكان من ضمن ما خلق آدم و بنيه, و قدر الله فيهم إستعدادهم لخلافته, فوضع فيهم من الصفات و القدرات ما يجعلهم قادرين عل حمل أمانة الخلافة وليكونوا درة المملكة الربانية, ولكن لحكمته لم يجعل كل واحد من بني آدم  خليفة كامل من أول يوم ظهر فيه...و إن كان قد أعده لذلك... و لكنه أراد أن تكون الصفات و القدرات التي تؤهل بني آدم للخلافة محجوبة مختفية حتي عنهم..., فكان هذا الحجاب هو نقائص بني آدم الخمسة الرئيسية و التي نتحدث عنها و هي كما قلنا من قبل ... النسيان ، وضعف العزيمة ، وحب الخلود ، وحب الملك ، وحب العلو... , و أراد أيضا بحكمته أن يوضح لبني آدم ما أودعه بعظيم قدرته فيهم, وما يمكنهم أن يصلوا إليه, فكان يرسل لهم كل فترة من الزمن نماذج منهم, و يقدر لهذه النماذج أن يتغلبوا علي نقائصم فيكونوا خلفاء لله..., وكان يكلف هؤلاء النماذج بتعليم خلقه... وهدايتهم... و تعريفهم بخالقهم... و الأخذ بأيديهم إليه, هذه النماذج هي رسل الله و أنبياؤه و أوليائه علي مر الزمان..., وتوج هؤلاء الخلفاء بأكملهم وأعلاهم و أعلي الخلق أجمعين... الخليفة الكامل... سيدنا و مولانا ونبينا محمد صاحب اللواء المعقود و الحوض المورود والمقام المحمود... اللهم صلي و سلم و بارك عليه وآله و صحبه و أنصاره و تابعيهم بإحسان إلي يوم الدين...أغلق الله به باب الرسالة ... ولكنه ترك في أمته باب الولاية مفتوح ... و جعل هذه الولاية هي نسبة صغيرة من الكمالات المؤهلة للخلافة... بعد كمالات النبوة و الرسالة....
أما بعد... ما قلنا في المقدمة... هو ملخص لقصة حياة كل واحد فينا..., منا من نسي الموضوع كله و عاش في الأرض كالأنعام بل أضل...من مولده إلي موته...و إنتهي كما بدأ بعيوبه لم يصلح منها شيئ... أو حتي زاد في عيوبه... بضلاله و إضلال غيره.... و منا من عمل جاهدا في دنياه ...عابدا لله مستعينا به طالبا المعرفة بخالقه ... طالبا إصلاح نفسه و صلاح ذريته من بعده... فتقبله الله بقبول حسن و تكفل به... و أخذ بيده ... و سخر له من الدنيا و ما فيها.... ما يعرفه بربه إجتباءا ...و يهديه إليه... وبين هذين الصنفين من الناس يتدرج باقي الخلق... فلينظر كل واحد منا أين هو من ذلك... و ماذا فعل لينجو و يفوز... وما يجب عليه أن يفعل فيما بقي له من الوقت قبل أن يموت... لعله يدرك ما فات من عمره....وهنا يجب ذكر بعض النقاط الهامة:
1-  يجب علي كل إنسان أن يدرك يقينا أن أهم ما يملك في هذه الحياه الدنيا هو الوقت... وأنه رأس ماله الذي يتاجر فيه ... فإن أحسن إستغلاله... و حافظ عليه و لم ينفقه إلا فيما يرضي ربه... أفلح... و إن أنفقه فيما يغضب ربه... لم يجني منه ثمارا للآخرة ...هلك... و ضل... و خسر آخرته... والأحاديث والحكم في أهمية الوقت كثيرة ... نذكر بعضها للتذكرة فقط... روي أبو نعيم : "ليس من يوم يأتي على ابن آدم إلا ينادى فيه: يا ابن آدم أنا خلق جديد وأنا فيما تعمل عليك غدا شهيد، فاعمل في خيرا أشهد لك به غدا فإني لو قد مضيت لم ترني أبدا. قال ويقول الليل مثل ذلك"...(شرح سريع).. نضرب مثل لتوضيح الفكرة دي... لأن الأمثلة أسهل في التوضيح زي ما إتعلمنا من القرآن... لو تخيلنا إن فيه منجم ذهب ... وجم قالوا لك إحنا هنديلك شوية عدة... فاس و مقطف وكشاف نور... وهنسيبك داخل المنجم ده ساعة زمن واحدة بالتمام والكمال لا تزيد ولا تنقص ثانية واحدة.... و اللي هتخرج بيه من باب المنجم بعد الساعة دي ...بالكامل بتاعك وملكك لوحدك...وتعمل بيه اللي إنت عايزه في بقية عمرك...و خلي بالك إنت مالكش غير مرة واحدة في عمرك كله تدخل المنجم ده!...ياتري هتتصرف إزاي...؟ طبعا أي واحد عنده أي نسبة عقل بسيطة جدا... أول ما هيدخل هيبدأ يشتغل بإديه و سنانه زي ما بيقولوا... و مش هيضيع ثانية واحدة... عشان يقدر يجمع أكبر كمية ذهب و يخرجها من الباب قبل الساعة ما تخلص... لو إيده إتجرحت هيقول لنفسه إصبر دلوقت و إشتغل أهم دلوقت... لما أخرج أبقي أربطها... لو إيد الفاس خشنة و بتشوك و مش مريحة ... هيقول لنفسه إستحمل شوية لحد ما الساعة دي تعدي ... لو إيد المقطف إتقطعت ... مش هيضيع وقت في تصليحها... وهيحضن المقطف و يشيله علي صدره...لو الهدوم إتوسخت أو إتقطعت... هيقول بعدين نبقي نغيرها ...لو حس بالتعب...يقول لنفسه أصبر شوية الساعة دي و بعدين أبقي أرتاح وأنام...وهكذا.... ولو عمل كده وبجد و إجتهاد وإخلاص و تحمل ....صحيح هيتعب ساعة... و يعيش باقي عمره ...هوه... و يمكن عياله و أحفاده ملوك... طيب ولو بقي دخل المنجم... لقي إيد الفاس خشنة... قعد يدور علي عدة عشان ينعمها... و بعد كده صلحها... وبعد كده بدأ يصلح المقطف... ولما الهدوم إتقطعت قعد يصلحها... وبعد كده قال أنا تعبت أقعد أرتاح شوية..ولا أنام. وهكذا... لحد ما الساعة خلصت ... راحوا مطلعينه بره... بص ... لقي نفسه مرمي بره المنجم ومعهوش أي حاجة... يا تري إيه شكل إحساسه و ندمه...لو بصينا هنلاقي إن فعلا هوه ده مثل الدنيا... إحنا بنعيش فيها وقت صغير جدا لأن الستين سبعين سنة اللي بنعيشهم علي الأرض دول زمن قصير أوي بالمقارنة بالخلود في الجنة أو و العياذ بالله الخلود في النار بالظبط زي ما الشغل في المنجم ساعة هو زمن بسيط جدا بالنسبة لعمر الإنسان...زي ما الآية بتقول..:" وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ "... وبرضه لو بصينا علي المحصلة... نلاقي إن الخروج من المنجم بالذهب يعني الراحة بقية عمرك و كذلك محصلة عملك في الدنيا إذا ثقلت حسناتك هتعني خلودك في الجنة... ولو لا قدر الله واحد ضيع وقته في الدنيا في المعاصي و الذنوب و الشهوات و ملذات الجسد و شهوة إمتلاك العربيات و البيوت و الهدوم و الأكل و الشرب فلما مات إنتبه إنه خرج من الدنيا بلا أي زاد للآخرة ... يعني بدون حسنات... زي ما الإمام علي رضي الله عنه قال: القبر صندوق العمل وعند الموت يأتيك الخبر ، وقال الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا . يعني بالظبط زي اللي إهتم في المنجم بالعدة و الهدوم و الراحة... و لقي الساعة خلصت و طرد من المنجم مفلس...وطبعا المقارنة بين الحياة الدنيا و دخول المنجم مرة واحدة في عمرك واضح... لأن اللي بيموت لا يعود للدنيا أبدا... قال تعالي: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ... و طبعا الفرح بالنتيجة أو الندم علي التقصير مش محتاج توضيح ...
      ولازم ناخد بالنا من حقيقة مهمة جدا في المثال لما قلنا إن اللي هيعمل بجد في المنجم... هيعيش ملك هوه وعياله و يمكن أحفاده... نفس الكلام ده برضه ينطبق علي االحياه الدنيا... الأية بتقول : وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا  ... يعني تقواك في الدنيا يستمر بركتها في ذريتك بنص الآية... وكمان في سورة الكهف...قال تعالي : وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ...و قيل في التفاسير أن أبوهما هنا ليس الأب المباشر، وإنما أحد أجدادهم القدامى... يعني صلاحك في الدنيا قاعد عند الله لعيالك و أحفادك و حتي أحفادهم     وكما وضحنا من قبل أن الأصل في الأعمال ليكون لها ثمرة سواء في الدنيا أو الآخرة هو النية و صلاحها وإن النية الصحيحة هي أهم شئ في العمل , شوف سيدنا "الحسن البصري" رحمه الله تعالى بيقول إيه ، قال : "إنما أنت أيام مجموعة, كلما مضى يوم مضى بعضك"..!  (شرح)   وقال : "أدركت أقواما... كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه"..! (شرح)... والخلاصة كلها موجودة في الحديث : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ"... يعني وديت رأس مالك فين؟
2-  يجب علي الإنسان العاقل أن يأخذ من ما مر به من أحداث (يعني ماضيه) و ما عمله من أفعال العبرة و الخبرة... و يستخدمهما في إصلاح نفسه وتحسين أفعاله و إتقاء ما علم أنه يوقعه فيما يغضب ربه أو يفسد عمله يعني بالبلدي كده ياخد خبرة و يتعلم.... و من المهم جدا ألا يبالغ في الوقوف عند الأخطاء و البكاء علي ما فات و الندم علي ما فعل ... فقط نأخذ العبرة و نستغفر الله علي الأخطاء و ننوي عدم العودة لها و الدعاء و طلب العون و التوفيق من الله في تحقيق هذا ...وإلا تحول هذا الي عائق للإنسان في طريقه إلي الله... يعني بالبلدي كدة منضيعش اللي فاضل لنا في عمرنا في البكاء علي اللي ضاع مننا في الماضي لأن الماضي إنتهي و ندرك بوضوح تام أنه لن يعود أبدا... والمثل البلدي بيقول... العايط في الفايت نقصان من العقل....
قال ربكم إدعوني أستجب لكم
الحمد لله مالك الملك...خلق الزمان كما خلق المكان...لا يحتاج للزمان ليفعل... إنما إذا أراد شيئا  قال له كن فيكون... وهو الأول القديم بلا بداية... و هو الآخر بلا نهاية... كان و لا شيئ معه.. وهو الآن علي ما عليه كان... واحد أحد فرد صمد لم يلد و لم يولد ولم يكن له كفوا أحد...خلق الزمان حاكما علي بني الإنسان... إلا من تزكي  وبدأ يرقي في مدارج الخلافة الربانية ...فإن هو أصبح عبدا ربانيا... يقول للشئ كن فيكون... ويبدأ في الخروج من حكم الزمن و بل يحكم هو الزمن.. و نشهد أن لا إله إلا الله و أن سيدنا محمد عبده و نبيه مختاره المرسل... الذي طوي له الزمان والمكان ...فكان حاكما عليهما بمدد الرحمن... في الإسراء و المعراج ... ليعلم كل بني الإنسان ما جهزهم الله به من قدرات و صفات معدا لهم لخلافته في كونه ....والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .. سيد الأولين والاخرين وقائد الدعاة المجتبين .. حبيب رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أما بعد...وضحنا في الخطبة الأولي مدي أهمية الزمن لكل إنسان... و أهمية وطريقة التعامل مع ما مضي من الزمان ... للإستفادة منه و عدم التوقف و الجمود عنده... فإذا كان هذا حال الماضي... فماذا عن المستقبل...
3-  إيه هو المستقبل؟... هو ما نظن... أو ما نتخيل... أو ما نتوهم... أو ما نتوقع... أو ما نتمني... أو ما نستنتج... أنه سيحدث بعد الأن... الحاجة الوحيدة التي تشترك فيها جميع الكلمات اللي فاتت دي هي أنه لا يوجد أي شيء مؤكد أنه سيحدث يقينا أيا كان...ما عدا شيء واحد... هذا الشيء هو الشيء الوحيد الذي يتأكد كل بني آدم أنه سوف يحدث له... مسلم أو كافر... مصري أو هندي... صغير أو كبير ...رجل أو إمرأة... طبعا الشيء الوحيد الذي يجمع عليه كل الناس دي  ببساطة هوالموت...بس للأسف... مع كونه الحقيقة الوحيدة في حياتنا كلنا بننساه... أو بتعبير أدق بنتناساه ومش عايزين نفتكره... ونزعل أوي لو حد جاب سيرته أو فكرنا به ونتشائم من.... كل ده كلام بديهي جدا و معروف للكل ... يبقى إيه المطلوب؟....المطلوب أن يدرك كل منا ...أنه من السفه وإضاعة الوقت والجهد... أن ينشغل بما لم يحدث و التألم مما قد يحدث أو الخوف مما ربما يحدث
4-  طيب لما الموضوح واضح ومفهوم و بسيط أوي كده... إمال إيه المشكلة وليه بنقع كلنا فيها؟؟؟
·       أول حاجة لازم نفهمها... إن فيه دائما عاملين بيؤثروا علينا كلنا... و هما ...العيوب الخمسة الرئيسية اللي و رثنها و بنتكلم عليها... و العامل الثاني هو تأثير وسوسة العدو اللدود... الشيطان الرجيم
·       فيما يخص الماضي... إحنا بنفضل نفكر في اللي حصل ونعيش فيه ... ونندم عليه و متحصرين... ليه؟؟؟ نتيجة عيوب النفس من حب الملك و حب العلو بتخلي كل واحد يقعد يقول لو كنت عملت كذا... كان زمان دلوقت عندي كذا أو حالي كذا و طبعا دي مهمة سهلة جدا للشيطان ... قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"... الشيطان يدي كل واحد فينا بداية خيط و إحنا بغفلتنا نقعد نشد فيه ... وفكرة تجر الثانية...وهكذا... ولا ننتهي أبدا... و يضيع الوقت بلا حساب و إحنا قاعدين في مكانا ومش كده وبس... ده ممكن يبتدي يجرنا عشان نفكر في المستقبل اللي كان ممكن يحصل لو كنا عملنا في الماضي كذا و كذا...و طبعا بيساعد الشيطان ضدنا أن نكون غافلين عن الله... لو أنا معنديش حاجة أعملها لله ... ذكر ... صلاة... خدمة للناس في سبيل الله أبقي فاضي و غافل... فيسهل عليه يجرني للأوهام السلبية دي... أعرف منين إنه بيضحك عليا؟؟؟ لما ألاقي ما أفكر فيه لن يؤدي لعمل حقيقي يرضي الله...مثلا لو لقيت نفسي بأفكر إزاي أنتقم من فلان... ده فكر ممكن يؤدي لعمل حقيقي... و لكن من المؤكد أنه عمل لا يرضي الله... ده يؤكد لك أنه من عمل الشيطان و النفس الامارة بالسوء...
·    فيما يخص المستقبل... حب الخلد...بالإضافة لشهوتي حب الملك و العلو وطبعا مع وسوسة الشيطان... و يضاف إلي هذه الأشياء الغفلة عن الله و كذلك البخل زي ما الآية بتقول:  "وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا"...تخلي الإنسان عمال يفكر و يخطط و يبني قصور و مشاريع في الهواء... و في نفس الوقت خايف من كل شيء ...وكل الناس و خايف من الفقر... خايف علي نفسه و علي ماله... و هكذا... والسبب الغفلة عن الله و الخوف من غير الله ..و في  الحديث القدسي الذي يرويه المعصوم- صلى الله عليه وسلم- عن ربِّ العزة: "مَن خافني أخفتُ منه كل شيء، ومَن خاف غيري أخفته من كل شيء"... و الآيه بتقول: " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " و طبعا مفهوم... إن إنشغال الإنسان بالمستقبل هو ضلال و قدح في التوكل...
·       خلي بالك إن كلامنا ده لا ينافي التخطيط السليم لحياتك كما قال سيدنا عمر : إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا...و لكن أن يكون هذا التخيط بقدر ما تحتاج فقط لا أن تعيش كل عمرك في الأوهام و أحلام اليقظة وإنتبه أن سيدنا عمر أيضا أكمل حديثه قائلا و إعمل لآخرتك كأنك تموت غدا... يعني التوازن بين الإثنين... الدنيا و الآخرة
·       خلي بالك إن ضياع الإنسان بين الندم علي الماضي و أوهام المستقبل هما ببساطة دليل علي عدم الرضا بالله و قضائه.... و خلي بالك برضه...إن إبليس مسجدش لآدم لعدم رضاه بحكم الله... و خلي بالك برضه... إن آدم أكل من الشجرة لعدم رضاه بما أعطاه الله ... إنتبه ... إنتبه جيدا... إن عدم رضي آدم ده... كان سببه غفلة آدم عن النعم التي أعطاها الله له... و أن الشيطان أوهمه بالفقر لغيرها... فأخرجه من حاضره بما فيه من نعم الله عليه الي أوهام في المستقبل ... جعلته يزداد غفلة فيأكل من الشجرة عاصيا لله متوهما إنتقاله لحال أفضل...و لو لم ينتقل آدم للتفكبر في المستقبل ... لبقي آدم مدركا لنعم ربه...ذاكرا له...و بالتالي حاضرا معه ... خلي بالك من كلمة "حاضر " دي.... يا تري مدرك للكلمة دي... و معناها بعد اللي قلناه؟؟؟
5-        ياتري إنتبهنا إن التفكير في الماضي و المستقبل دول هما ذكر للشيطان و إستحضار له و لوسوسته...يعني حضور معه... و هما أصل الغفلة... و إذا كان الزمن هو ماضي و حاضر و مستقبل و لا شيء غير ذلك...و إذا كان الماضي و المستقبل دول في معية الشيطان و غفلة و عدم رضي بالله وقضائه...فيبقي إيه هو الحاضر؟؟؟... الحاضرهوالحالة الوحيدة اللي ممكن تكون حاضر فيها مع الله... لأن الحاضر حضور... بس خلي بالك إن حتي الحاضر ممكن يكوم مع الشهوات و المعاصي و الشيطان برضه... لكن الحاضر هو الوقت الوحيد الليي ممكن تكون فيه فعلا حاضر مع الله وتعمل فيما يرضي الله... قال كبار العارفين ناصحين تلامذتهم... عيش وقتك... يقصد عيش حاضرك... عيش الآن ولا شأن لك بالماضي و لا تشغل نفسك بما لم يأتي....و خلي بالك من الآية تاني: " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" إنتبه أن الله بعد المقارنة بين ما يعد الشيطان من فقر و أمر بالفحشاء ووعد الله بالمغفرة و الفضل أشار للحكمة و أنها خيرا كثيرا و إلي التذكر...يعني الحكمة و الذكر هما ما ندفع به أوهام الشيطان ووسوسته...
6-        خلاصة كل اللي قلناه... إن أهم وسيلة نجاه هي دوام ذكر الله... و الإنشغال فقط بما يمكن أن أعمله الآن .... خلي بالك... الآن....  ليقربني من الله...و يساعدني الدعاء و الإستعانة بالله علي هذا... جعلنا الله و إياكم ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه

Wednesday, February 13, 2013

رقم 19-تاريخ 18-1-2013-خطبة جمعة عن الفرق بين الشريعة و العقيدة و فوائد نقائص بني آدم

الجمعة 19
التاريخ:18-1-2013
الحمد لله الذي أكرمنا بأن جعلنا من أمة حبيبه سيدنا محمد صلي الله عليه وآله و صحبه وسلم...و أرسله لنا بأفضل شرائعه... و أتمها... و أشملها... و أكثرها إستيعابا لإختلافات بني آدم... و التي تميز بينهم بالتقوي فقط... وتساوي بين الذكر و الأنثي... الأسود و الأبيض... والشريف القرشي و العبد الحبشي... نشهد ألا إله إلا الله وحده .. ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله .. اللهم صلّي وسلم وبارك عليه .....
أما بعد...قبل أن يخلق الله آدم عليه السلام : خلق قبله إبليس ... وقدر تعالى ـ بحكمته ـ أن يكون كل منهما : للآخر فتنة ... فلما جاء وقت الاختبار ... فتن أولا (إبليس) ... فلما أيقن إبليس أنه فتن ـ فبدلا من أن يطلب من خالقه أن يتوب عليه ... طلب منه العون والمدد .. ليضل غريمه آدم ... فسمح الله له أن يحاول ..  فلم ينتهي إبليس حتى فتن آدم... وكان ذلك بقدر الرحمن... أما آدم ... فعندما أدرك أنه فتن... طلب من خالقه متشفعا بحبيبنا سيدنا و مولانا محمد صلي الله عليه و سلم حبيب الرحمن ـ الذي كان اسمه على ساق العرش مكتوب ـ طلب منه أن يتوب ... فتاب عليه الله... ليتوب ... فأصبح آدم حبيبا لرب العالمين...
    ولكن آدم عليه السلام ـ بسبب عِصيانه الأوّل ـ وإبليس... طردوا جميعا إلي الأرض وكل منهم للآخر غير محبوب ... وظهر في الأرض فريقان : إبليس و قبيله ، و آدم و ذريته ... وكان كل فريق يحمل أثر الذنب الذي إقترفه سابقًا ... أما إبليس و قبيله : فتمادوا في الغي... محاولين نقل حالهم إلي آدم و ذريته... أما آدم و ذريته الذين ورثوا أثر الذنب : فإن الله ـ بتوبة أبيهم ـ ترك لهم باب الإصلاح مفتوح ... ليحاول كل منهم التخلص من أثر الذنب الأول لأبيهم ... ليعودوا إلي موطنهم الأصلي في الجنة...
    فلما كان هذا حالهم وقدرهم : فإن الله ـ برحمته ، وحبه ، وربوريته ـ أرسل لهم الرسل واحِدًا تلو الآخر : بشرائع الله للناس ... وجعل هذه الشرائع :هي السبيل الوحيد... لبني آدم ...علي مر الزمن... ليتمكنوا من إصلاح عيوبهم...
    وعيوب بني آدم الأصلية : خمسة ؛ كما ذكرنا من قبل .. وهي النسيان ، وضعف العزيمة ، وحب الخلود ، وحب الملك ، وحب العلو ... وقد عالج عز وعلا هذه العيوب : بإنزال شرائعه إلى بني آدم في الأرض ..
● وجعل تعالى كل شريعة : مناسبة لأهل زمانها... فالشرائع  تختلف من زمن لآخر بحسب الظروف في كل زمان أو مكان...لأن كل شريعة تأتي بحسب ما يعلم الله أنه يصلح فئة ما من الناس ... إذاً : فالشرائع متغيّرة .. أما ما كان ثابتا في كل رسالة علي مر الزمان و في أي مكان : فهو العقيدة... لأنها في الأساس تتحدث عن الله ، وصفاته... والله ثابت لا يتغير... وهنا يجب الانتباه جيدا لبعض النقاط :
1      ـ (الشريعة) : يقصد بها الحلال و الحرام... إفعل ولا تفعل...الأحكام الفقهية...
2ـ هذه الأحكام الفقهية : يمكن أن تتغير بتغير الظروف والأحوال .. أو بتغيّر  المذهب الفقهي ... أو وجهة نظر وعلم وفهم الفقيه... و هذا ما فيه أيضا الاجتهاد ..
3ـ من يخالف الشرع (بدون إنكار له-شرح) فهو مذنب و آثم وحسابه علي الله ...  ولكن لا يخرج من الدين ، ولا يمكن أن نقول عليه كافر أبدا .. و إن مات : يصلي عليه و يدفن في مقابر المسلمين ..
● أما (العقيدة) : فهي ثابتة و لا تتغير... لأنها تتعلق بالعلم بالله وصفاته وأفعاله .. والغيب الذي يخبرنا الله به : من أخبار الملائكة والأنبياء والرسالات واليوم الآخر .. ومفهوم القدر ..... ولأن العقيدة لا تتغيّر أبدًا : فجميع الآيات التي تتحدث عن دعوة الأنبياء السابقين لأقوامهم : فيها نفس الجملة تقريبّا .... قال تعالي عن سيدنا نوح :     " لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ : يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " ..
وعن سيدنا هود يقول : " وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ : يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ "
وعن سيدنا صالح يقول : " وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ : يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " ..... والآيات المتشابهة في المعني كثيرة جدا في القرآن الكريم...
● ويجب أن ننتبه هنا إلي أن :
1      ـ العقيدة واحدة منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة
2      ـ العقيدة هي مسألة إيمانية بالأساس : يجب الإيمان بها كلها ولا تُجزّأ
3ـ ومن المهم أيضًا : محاولة فهم العقيدة بدون تعقيد ، وحتي حفظها إن أمكن .. وكان العلماء يحثون الناس علي تحفيظها للصغار كما يحفظون الآيات... وحتى إن تعذر فهم أجزاء منها فإننا نؤمن بها كما هي ..
4ـ وفيه فرق مهم جدًا بين العقيدة والشريعة .. إن إنكار العقيدة الثابتة عند علماء المسلمين : يُخرج الإنسان من الدين .. فلا يكون مسلما .. ولا يرث مسلما .. وإن مات : لا يورث مسلما .. ولا يصلـَّى عليه .. ولا يدفن في مدافن المسلمين .. ولذلك فمن المهم جدا هنا ملا حظة الفرق بين : (الخطأ في الشرع) الذي لا يخرج من الدين ويكون صاحبه مسلم مذنب (مع ملاحظة الشرط السابق كما وضحنا) ... وبين : مُنكر العقيدة و الذي ليس مسلما أصلا .....
ويجب الإنتباه جيدا من عدم وصف أي مسلم حتي ولو كان عاصيا بالكافر حتي لا نقع في ما حذر منه الحديث الآتي "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ كَافِرٌ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا " (شرح)
·  ويجب الإنتباه إلي أن كثيرًا من نزعات تكفير المسلمين الآن : هي نتيجة للخلط بين مخالفة العقيدة ومخالفة الشريعة ... فإذا كان في بعض أصناف من المسلمين اللي عندهم فقه مختلف .. أو أراء سياسية مختلفة عننا... بس عندهم نفس عقيدتنا... يا ترى : هل يجوز إننا نقول عليهم كفرة ؟.. لأ لا يجوز .. إحنا بالكتير ممكن نقول عليهم مذنبين... عصاة... بس حكاية (كفرة) دي : محتاجة إعادة تفكير شوية ..
وإذا كان ربّنا ـ لمّا بيذكر الأمم السابقة ـ كان بيصفهم بالمسلمين .. والآيات بهذا المعنى كثيرة جدًا ...قال تعالي: " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ "... فده مفهوم مهم جدا حتى لا نقع في تكفير الناس... ولا قدر الله تقع علينا إحنا كما ذكر الحديث السابق...

إذاً خلاصة الكلام ... أن العقيدة ثابتة .. أمّا الشريعة : فهي متغيّرة علي مر الزمان... فإذا أردنا معرفة كيف أن شرع الله هو السبيل الوحيد لإصلاح بني آدم ليعودوا لأحسن تقويم ... يجب نبحث في مدي تأثير ما أمرنا به الشرع علي الإنسان : لنري كيف يمكن للشرع أن يصلحنا..
) قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم (
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين... الحكيم العليم... خلق بني آدم ... و بحكمته... و قدرته... جعل نقائصهم نعمة لهم... و بها تتم عمارة الأرض... سواء كانوا مؤمنين أو كافرين... فإن كانوا مؤمنين... و أصلحوا عيوبهم ... تمت لهم الخلافة... فنعمت لهم الدنيا مطية المؤمن... فأما الكافرين... أعاذنا الله و إياكم أن نكون منهم...خدموا هم الدنيا... فإستخدمتهم... فكانوا هم مطيتها ... الحمد لله الذي هو خير محض... اللهم صلي و سلم وبارك علي الحبيب المحبوب سيدنا ومولانا محمد وآله... المبعوث رحمة للعالمين... صاحب الخلق العظيم...الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق...
أما بعد... تحدثنا عن العقيدة و الشريعة في الخطبة الأولي... وأوضحنا أن العقيدة : كلٌّ لا يتجزأ .. وأنها ثابتة : فلا تغيير فيها ولا تجديد ... وأن (الشريعة) : هي الطريقة... أو الوصفة... أو الرّوشتة : لإصلاح بني آدم ، بغرض إعادتهم للوضع اللي كان عليه آدم عليه السلام قبل الأكل من الشجرة... اللي هو وضع أحسن تقويم...
● بس قبل ما ندخل في موضوع الشريعة ده و إزاي الشريعة بتعالج مشاكل بني آدم ... فيه موضوع في النص كده : يجدر بنا الإشارة إليه... الموضوع ده خاص : بحِكمة الله في خلق بني آدم وفيهم العيوب والنقائص التي ذكرناها من قبل ..

1      ـ أول حاجة إن الله قال : " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً "  يعني الهدف من البداية : هو إيجاد خليفة لله في الأرض... يعني مش في الجنة
2ـ حياة الإنسان علي الأرض هي عمارة للأرض .. وبدون تعمير بني آدم للأرض : فلن تستمر الحياة  .. وأن هذه العمارة مرتبطة ببقاء الجنس البشري علي الأرض... سواء كانوا مسلمين أو كافرين .. قال تعالي : " أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا"
ولو نظرنا لعيوب بني آدم الخمسة الرئيسية... هنكتشف حاجة مهمة جدا... إنه بدون هذه الأشياء اللي بنقول عليها عيوب و نقائص .... لم يكن من الممكن أن تستمر الحياه علي الأرض ولا أن تحدث العمارة المقصودة للأرض... و بالتالي لن تكون هناك خلافة و لا خليفة......
● و إن كان هذا الكلام غريب.... لكنه مع شوية تدبر و تفكير ممكن ربنا يورينا فيه حاجات كتير ومهمة جدا جدا و في أصل الدين...
● خد مثال .. لو كل واحد حصلت له مصيبة ، وفضل طوال عمره فاكرها وعايش فيها ومِش قادر ينساها : إيه اللي حيحصل ؟.. سيتوقف هذا الإنسان عن أي عمل ، وحيفضل قاعد في حالة حزن واكتئاب وعُزلة .. يعني لولا نعمة (النسيان) : لما كان هناك إعمار للأرض .. (آدي أول مشكلة عند بني آدم : النسيان ..زي ما الآية بتقول... " وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ")
● طب لو كان عزم الإنسان دائم ولا يتزحزح أبدا ... يعني لمّا بيبقى ناوي على شئ : بيصمّم عليه وما بيغيّروش أبدًا : تفتكر إيه اللي كان ممكن يحصل ؟.. ما كانش ممكن حيبقى في إنسان عنده استعداد إنه يغير طريقة تفكيره مثلا .. إذاً... كل عمليات البحث ، والتـَّعلـُّم ، وإيجاد حلول لأي مشكلة ... حتتوقـّف تمامًا .. نوضّح الفكرة دي  بمثال... لو واحد ماشي في طريق.... ولقي في وسط الطريق صخرة... لو كان عزمه لا يلين ولا يتزحزح ...فإنه سيظل يحاول السير فوقها مهما كانت العقبات و الخسائر .. و لن يفكر في أي حل مثل الدوران من حولها... و بالتالي... لن يكون هناك أي إبتكار أو إختراع أو تجديد لأي شيئ .. إذا مسألة ضعف العزيمة دي : ممكن يبقى لها دور مهم وواضح في عمارة الأرض .. ودي المشكلة التانية لبني آدم " فلم نجد له عزما" ..
● أيضًا بدون شهوة الخلود و طول العمر و البقاء... لتوقفت جميع أشكال البناء والتشييد ، والزراعة ، وأي نشاط له نتيجة مستقبلية .. ما أنا حافكّر في المستقبل ليه : لو ما عنديش رغبة في إنّي أفضل موجود ؟.. يعني لو أنا ما عنديش شهوة الخلد وطول الأمل : إيه اللي يخلّيني أزرع شجرة هتثمر بعد ثلاث سنوات ؟.. وإيه اللي حيخلّيني أفكر أبني مبني كبير محتاج عشر سنين عشان يكمل ؟؟؟؟ و هكذا....
● وطبعا نفس الكلام ينطبق علي شهوة الملك... لو ماعنديش حب الملك : هل هأتعب نفسي و أعمل أي شيئ زائد عن ما أحفظ به حياتي ؟.. يعني لو فيه خيمة أنام فيها : عمري ما هأفكر أبني بيت ، أو عمارة مثلا...
● أما حب العلو .. فلولاها ما كانش حيبقي فيه : لا ملك ، ولا مدير ، ولا غفير .. وبدون التنوّع في المناصب دي كلّها : لفسدت الحياة كلّها .. يقول تعالى في كتابه الحكيم : " وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ .. وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ .. وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ .. إسمع بقى الجزء اللي جيّ ده !.. وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ : لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ .. وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ " طبعا أحد معاني كلمة دفع دي رغبة كل واحد إنه يغير الآخر لصالح نفسه... يعني عايز يعلو عليه و يسيطر عليه... و يشغله لصالحه...الآيه دي تكفي للتوضيح
● يعني عيوب الإنسان اللي قلنا إن الله خلقها في الإنسان قاصدا و ليس عاجزا : هي في ذاتها من أساس عمارة الأرض،  ليظهر الخليفة الذي أراده الله...
طب إحنا قعدنا ثلاث خطب : بنتكلم عن عيوب بني آدي اللي لازم نصلحها ونتخلص منها ... وبعدين  في الآخر بنقول إن العيوب دي : نعمة و إن بدونها الدنيا هتخرب.. هيّ إيه حقيقة الموضوع ؟..
    لب الموضوع : هو تحقيق التوازن الشخصي لكل واحد فينا ... التوازن ما بين كل الصفات اللي قلناها دي.... توازن خاص بكل واحد فينا بنفسه... ربنا خلق واحد عشان يكون ملك ، وبيه : ربّنا حيحفظ الأمن والأمان لبقية الناس .. لو الشخص ده توجه بنيته : أن يكون ملكه ده لله .. وعمله لله .. وليس من أجل شهوة الملك نفسها .. مع مراعاة حدود الشرع بينه وبين الناس .. وحدود العقيدة بينه و بين ربه : هيبقي حقق التوازن في هذه الصفة...
● فإذا كان هذا الملك (أب) أيضا لأسرة ، ويملك أعمال وأموال ومزارع .. وفي نفس الوقت هو إبن لأب وأم عجوزين ... يعني يعيش حياة مثل كل بني آدم... هيبقي عليه دور : كرب أسرة .. ودور : كصاحب عمل .. ودور : كعضو في مجتمع... و هكذا في جميع نواحي الحياة .... لو هذا الشخص : اجتهد إنه يؤدّي كل الأدوار دي ، بأعلى مستوى ممكن من التوازن : لأصبح خليفة كامل لله في هذا الموقف...
    وطبعا الوحيد اللي حقق الكمال في كل المواقف : هو الخليفة الكامل سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم...
● التوازن : هو إعطاء كل ذي حق حقه ... التوازن هو إعطاء جسدك حقه... وزوجتك حقها .... و عيالك ...و جيرانك.... وأبوك و أمك.... من غير ما حد منهم يجور علي حق التاني.... و برضه الحق بتاع شرع ربنا ... مش الحق اللي علي مزاجي.... وده أحد معاني قوله صلي الله عليه وسلم : ) إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ( ... وإصلاح عيوبنا لن يتحقق : إلا بتحكيم شرع الله فيها ... يعني مأسمحش لشهوة الملك مثلا تخليني أسرق أرض جاري... ومخليش شهوة العلو تخلّيني أذل الآخرين... وهكذا .. بالنسبة لباقي الشهوات والنزعات ..